الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: البحر المحيط في تفسير القرآن العظيم (نسخة منقحة)
.تفسير الآيات (94- 95): {فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (94) وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخَاسِرِينَ (95)}الظاهر أنّ إنْ شرطية. وروي عن الحسن والحسين بن الفضل أنّ إنْ نافية. قال الزمخشري: أي مما كنت في شك فسئل، يعني: لا نأمرك بالسؤال لأنك شاك، ولكن لتزداد يقيناً كما ازداد إبراهيم عليه السلام بمعاينة إحياء الموتى انتهى. وإذا كانت إن شرطية فذكروا أنها تدخل على الممكن وجوده، أو المحقق وجوده، المنبهم زمان وقوعه، كقوله تعالى: {أفإن مت فهم الخالدون} والذي أقوله: إنّ إنْ الشرطية تقتضي تعليق شيء على شيء، ولا تستلزم تحتم وقوعه ولا إمكانه، بل قد يكون ذلك في المستحيل عقلاً كقوله تعالى: {قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين} ومستحيل أن يكون له ولد، فكذلك هذا مستحيل أن يكون في شك، وفي المستحيل عادة كقوله تعالى: {فإن استطعت أن تبتغي نفقاً في الأرض أو سلماً في السماء فتأتيهم بآية} أي فافعل. لكنّ وقوع إن للتعليق على المستحيل قليل، وهذه الآية من ذلك. ولما خفي هذا الوجه على أكثر الناس اختلفوا في تخريج هذه الآية، فقال ابن عطية: الصواب أنها مخاطبة للنبي صلى الله عليه وسلم، والمراد بها سواه من كل من يمكن أن يشك أو يعارض انتهى. ولذلك جاء: {قل يا أيها الناس إن كنتم في شك من ديني} وقال قوم: الكلام بمنزلة قولك: إن كنت ابني فبرني، وليس هذا المثال بجيد، وإنما مثال هذه قوله تعالى لعيسى عليه السلام: {أأنت قلت للناس} انتهى. وهذا القول مروي عن الفراء. قال الكرماني: واختاره جماعة، وضعف بأنه يُصير تقدير الآية: أأنت في شك؟ إذ ليس في الآية ما يدل على نفي الشك. وقيل: كنى هنا بالشك عن الضيق أي: فإن كنت في ضيق من اختلافهم فيما أنزل إليك وتعنتهم عليك. وقيل: كنى بالشاك عن العجب أي: فإن كنت في تعجب من عناد فرعون. ومناسبة المجاز أنّ التعجب فيه تردد، كما أن الشك تردد بين أمرين. وقال الكسائي: معناه إن كنت في شك أنّ هذا عادتهم مع الأنبياء فسلهم كيف كان صبر موسى عليه السلام حين اختلفوا عليه؟ وقال الزمخشري: فإن كنت في شك بمعنى العرض والتمثيل، كأنه قيل: فإن وقع لك شك مثلاً وخيل لك الشيطان خيالاً منه تقديراً فسئل الذين يقرؤون الكتاب، والمعنى: أن الله تعالى قدم ذكر بني إسرائيل وهم قرأة الكتاب، ووصفهم بأن العلم قد جاءهم، لأنّ أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم مكتوب عندهم في التوراة والإنجيل وهم يعرفونه كما يعرفون أبناءهم، فأراد أن يؤكد عليهم بصحة القرآن وصحة نبوّة محمد صلى الله عليه وسلم، ويبالغ في ذلك فقال تعالى: فإن وقع لك شك فرضاً وتقديراً وسبيل من خالجته شبهة في الدين أن يسارع إلى حلها وإماطتها، إما بالرجوع إلى قوانين الدين وأدلته، وإما بمقادحة العلماء المنبهين على الحق انتهى.وقيل أقوال غير هذه، وقرأ يحيى وابراهيم: يقرؤون الكتب على الجمع. والحق هنا: الإسلام، أو القرآن، أو النبوة، أو الآيات، والبراهين القاطعة، أقوال: فاثبت ودم على ما أنت فيه من انتفاء المرية والتكذيب، والخطاب للسامع غير الرسول. وكثيراً ما يأتي الخطاب في ظاهره لشخص، والمراد غيره، وروي أنه عليه السلام قال: «لا أشك ولا أسأل بل أشهد أنه الحق» وعن ابن عباس: والله ما شك طرفة عين، ولا سأل أحداً منهم. والامتراء التوقف في الشيء والشك فيه، وأمره أسهل من أمر المكذب فبدئ به أولاً. فنهى عنه، واتبع بذكر المكذب ونهى أن يكون منهم..تفسير الآيات (96- 97): {إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ (96) وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آَيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (97)}ذكر تعالى عباداً قضى عليهم بالشقاوة فلا تتغير، والكلمة التي حقت عليهم قال قتادة: هي اللعنة والغضب. وقيل: وعيده أنهم يصيرون إلى العذاب. وقال الزمخشري: قول الله تعالى الذي كتب في اللوح وأخبر به الملائكة أنهم يموتون كفاراً فلا يكون غيره، وتلك كتابة معلوم لا كتابة مقدر ومراد الله تعالى عن ذلك انتهى. وكلامه أخيراً على طريقة الاعتزال. وقال أبو عبد الله الرازي: المراد من هذه الكلمة كلم الله بذلك، وإخباره عنه، وخلقه في العبد مجموع القدرة، والداعية وهو موجب لحصول ذلك الأمر. وقال ابن عطية: المعنى أنّ الله أوجب لهم سخطه من الأزل وخلقهم لعذابه، فلا يؤمنون ولو جاءهم كل بيان وكل وضوح إلا في الوقت الذي لا ينفعهم فيه الإيمان، كما صنع فرعون وأشباهه، وذلك وقت المعاينة. وفي ضمن الألفاظ التحذير من هذه الحال، وبعث كل على المبادرة إلى الإيمان والفرار من سخط الله. ويجوز أن يكون العذاب الأليم عند تقطع أسبابهم يوم القيامة، وتقدم الخلاف في قراءة كلمة بالإفراد وبالجمع..تفسير الآية رقم (98): {فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آَمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آَمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ (98)}لولا هنا هي التحضيضية التي صحبها التوبيخ، وكثيراً ما جاءت في القرآن للتحضيض، فهي بمعنى هلا. وقرأ أبي وعبد الله فهلا، وكذا هو في مصحفيهما، والتحضيض أن يريد الإنسان فعل الشيء الذي يحض عليه، وإذا كانت للتوبيخ فلا يريد المتكلم الحض على ذلك الشيء، كقول الشاعر:لم يقصد حضهم على عقر الكمى المقنع، وهنا وبخهم على ترك الإيمان النافع. والمعنى: فهلا آمن أهل القرية وهم على مهل لم يلتبس العذاب بهم، فيكون الإيمان نافعاً لهم في هذه الحال. وقوم منصوب على الاستثناء المنقطع، وهو قول سيبويه والكسائي والفراء والأخفش، إذ ليسوا مندرجين تحت لفظ قرية. وقال الزمخشري: ويجوز أن يكون متصلاً، والجملة في معنى النفي كأنه قيل: ما آمنت قرية من القرى الهالكة إلا قوم يونس. وقال ابن عطية: هو بحسب اللفظ استثناء منقطع، وكذلك رسمه النحويون، وهو بحسب المعنى متصل، لأنّ تقديره ما آمن أهل قرية إلا قوم يونس، والنصب هو الوجه، ولذلك أدخله سيبويه في باب ما لا يكون فيه إلا النصب، وذلك مع انقطاع الاستثناء. وقالت فرقة: يجوز فيه الرفع، وهذا مع اتصال الاستثناء. وقال المهدوي: والرفع على البدل من قرية، وقال الزمخشري: وقرئ بالرفع على البدل عن الحرمي والكسائي، وتقدم الخلاف في قراءة يونس بضم النون وكسرها، وذكر جواز فتحها.وقوم يونس: هم أهل نينوي من بلاد الموصل، كانوا يعبدون الأصنام، فبعث الله إليهم يونس فأقاموا على تكذيبه سبع سنين، وتوعدهم العذاب بعد ثلاثة أيام. وقيل: بعد أربعين يوماً. وذكر المفسرون قصة قوم يونس وتفاصيل فيها، وفي كيفية عذابهم الله أعلم بصحة ذلك، ويوقف على ذلك في كتبهم. وقال الطبري: وذكره عن جماعة أن قوم يونس خصوا من بين الأمم بأن ينب عليهم بعد معاينة العذاب. وقال الزجاج: هؤلاء دنا منهم العذاب ولم يباشرهم كما باشر فرعون، فكانوا كالمريض الذي يخاف الموت ويرجو العافية، فأما الذي يباشره العذاب فلا توبة له. وقال ابن الأنباري: علم منهم صدق النيات بخلاف من تقدمهم من الهالكين. قال السدي: إلى حين، إلى وقت انقضاء آجالهم. وقيل: إلى يوم القيامة، وروي عن ابن عباس. ولعله لا يصح، فعلى هذا يكونون باقين أحياء، وسترهم الله عن الناس. .تفسير الآيات (99- 100): {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآَمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (99) وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ (100)}قيل: نزلت في أبي طالب، لأنه صلى الله عليه وسلم أسف بموته على ملة عبد المطلب وكان حريصاً على إيمانه. ولما كان أحرص الناس على هدايتهم وأسعى في وصول الخير إليهم والفوز بالإيمان منهم وأكثر اجتهاداً في نجاة العالمين من العذاب، أخبره تعالى أنه خلق أهلاً للسعادة وأهلاً للشقاوة، وأنه لو أراد إيمانهم كلهم لفعل، وأنه لا قدرة لأحد على التصرف في أحد. والمقصود بيان أنّ القدرة القاهرة والمشيئة النافذة ليست إلا له تعالى. وتقديم الاسم في الاستفهام على الفعل يدل على إمكان حصول الفعل، لكن من غير ذلك الإسم فللَّه تعالى أن يكره الناس على الإيمان لو شاء، وليس ذلك لغيره.وقال الزمخشري: ولو شاء ربك مشيئة القسر وإلالجاء لآمن من في الأرض كلهم على وجه الإحاطة والشمول جميعاً، مجتمعين على الإيمان، مطبقين عليه، لا يختلفون ألا ترى إلى قوله تعالى: {أفأنت تكره الناس} يعني إنما يقدر على إكراههم واضطرارهم على الإيمان هؤلاء أنت. وإتلاء الاسم حرف الاستفهام للإعلام بأنّ الإكراه ممكن مقدور عليه، وإنما الشان في المكره من هو، وما هو إلا هو وحده ولا يشارك فيه، لأنه تعالى هو القادر على أن يفعل في قلوبهم ما يضطرون عنده إلى الإيمان، وذلك غير مستطاع للبشير انتهى. وقوله: مشيئة القسر والإلجاء هو مذهب المعتزلة. وقال ابن عطية: المعنى أنّ هذا الذي تقدم ذكره إنما كان جميعه بقضاء الله عليهم ومشيئته فيهم، ولو شاء الله لكان الجميع مؤمناً، فلا تتأسف أنت يا محمد على كفر من لم يؤمن بك، وادع ولا عليك، فالأمر محتوم. أتريد أنت أن تكره الناس بإدخال الإيمان في قلوبهم، وتضطرهم إلى ذلك والله عز وجل قد شاء غيره؟ فهذا التأويل الآية عليه محكمة أي: ادع وقاتل من خالفك، وإيمان من آمن مصروف إلى المشيئة. وقالت فرقة: المعنى أفأنت تكره الناس بالقتال حتى يدخلوا في الإيمان؟ وزعمت أن هذه الآية في صدر الإسلام، وأنها منسوخة بآية السيف، والآية على كلا التأويلين رادة على المعتزلة انتهى. ولذلك ذهب الزمخشري إلى تفسير المشيئة بمشيئة القسر والإلجاء، وهو تفسير الجبائي والقاضي. ومعنى إلا بإذن الله. أي بإرادته وتقديره لذلك والتمكن منه. وقال الزمخشري: بتسهيله وهو منح الإلطاف. ويجعل الرجس: وهو الخذلان على الذين لا يعقلون، وهم المصرون على الكفر. وسمى الخذلان رجساً وهو العذاب، لأنه سببه انتهى. وهو على طريق الاعتزال. وقال ابن عباس: الرجس السخط، وعنه الإثم والعذوان. وقال مجاهد: ما لا خير فيه. وقال الحسن، وأبو عبيدة، والزجاج: العذاب. وقال الفراء: العذاب والغضب. وقال الحسن أيضاً: الكفر. وقال قتادة: الشيطان، وقد تقدّم تفسيره، ولكن نقلنا ما قاله العلماء هنا. وقرأ أبو بكر، وزيد بن علي: ونجعل بالنون، وقرأ الأعمش: ويجعل الله الرجز بالزاي..تفسير الآيات (101- 102): {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآَيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ (101) فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ قُلْ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (102)}أمر تعالى بالفكر فيما أودعه تعالى في السموات والأرض، إذ السبيل إلى معرفته تعالى هو بالتفكر في مصنوعاته، ففي العالم العلوي في حركات الأفلاك ومقاديرها وأوضاعها والكواكب، وما يختص بذلك من المنافع والفوائد، وفي العالم السفلي في أحوال العناصر والمعادن والنبات والحيوان، وخصوصاً حال الإنسان. وكثيراً ما ذكر الله تعالى في كتابه الحض على الفكر في مخلوقاته تعالى وقال: ماذا في السموات والأرض تنبيهاً على القاعدة الكلية، والعاقل يتنبه لتفاصيلها وأقسامها. ثم لما أمر بالنظر أخبر أنه من لا يؤمن لا تغنيه الآيات.والنذر جمع نذير، إما مصدر فمعناه الإنذارات، وإما بمعنى منذر فمعناه المنذرون والرسل. وما الظاهر أنها للنفي، ويجوز أن تكون استفهاماً أي: وأي شيء تغني الآيات وهي الدلائل؟ وهو استفهام على جهة التقرير. وفي الآية توبيخ لحاضري رسول الله صلى الله عليه وسلم من المشركين. وقرأ الحرميان، والعربيان، والكسائي: قل انظروا بضم اللام، وقرئ: وما تغني بالتاء، وهي قراءة الجمهور وبالياء. وماذا يحتمل أن يكون استفهاماً في موضع رفع بالابتداء، والخبر في السموات. ويحتمل أن يكون الخبر ذا بمعنى الذي، وصلته في السموات. وانظروا معلقة، فالجملة الابتدائية في موضع نصب، ويبعد أن تكون ماذا كله موصولاً بمعنى الذي، ويكون مفعولاً لقوله: انظروا، لأنه إن كانت بصرية تعدت بإلى، وإن كانت قلبية تعدت بفي. وقال ابن عطية: ويحتمل أن تكون ما في قوله: وما تغني، مفعولة لقوله: انظروا، معطوفة على قوله: ماذا أي: تأملوا نذر غنى الآيات. والنذر عن الكفار إذا قبلوا ذلك، كفعل قوم يونس، فإنه يرفع العذاب في الدنيا والآخرة وينجي من الهلكات. والآية على هذا تحريض على الإيمان، وتجوز اللفظ على هذا التأويل، إنما هو في قوله: لا يؤمنون انتهى. وهذا احتمال فيه ضعف. وفي قوله: مفعولة معطوفة على قوله ماذا، تجوز يعني أنّ الجملة الاستفهامية التي هي ماذا في السموات والأرض في موضع المفعول، لأنّ ماذا منصوب وحده بانظروا، فيكون ماذا موصولة. وانظروا بصرية لما تقدم، والأيام هنا وقائع الله فيم، كما يقال أيام العرب لوقائعها. وفي الاستفهام تقرير وتوعد، وحض على الإيمان، والمعنى: إذا لجوا في الكفر حل بهم العذاب، وإذا آمنوا نجوا، هذه سنة الله في الأمم الخالية. قل فانتظروا أمر تهديد أي: انتظروا ما يحل بكم كما حل بمن قبلكم من مكذبي الرسل..تفسير الآية رقم (103): {ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا كَذَلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ (103)}لما تقدم قوله: فهل ينتظرون إلا مثل أيام الذين خلوا من قبلهم، وكان ذلك مشعراً بما حل بالأمم الماضية المكذبة ومضرحاً بهلاكهم في غير ما آية، أخبر تعالى عن حكاية حالهم الماضية فقال: ثم ننجي رسلنا، والمعنى: إن الذين خلوا أهلكناهم لما كذبوا الرسل، ثم نجينا الرسل والمؤمنين. ولذلك قال الزمخشري: ثم ننجي معطوف على كلام محذوف يدل عليه إلا مثل أيام الذين خلوا من قبلهم، كأنه قيل: نهلك الأمم ثم ننجي رسلنا على مثل الحكايات الماضية. والظاهر أن كذلك في موضع نصب تقديره: مثل ذلك الإنجاء الذي نجينا الرسل ومؤمنيهم، ننجي من آمن بك يا محمد، ويكون حقاً على تقدير: حق ذلك حقاً. وقال أبو البقاء: يجوز أن يكون حقاً بدلاً من المحذوف النائب عنه الكاف تقديره: إنجاء مثل ذلك حقاً. وأجاز أن يكون كذلك، وحقاً منصوبين بننجي التي بعدهما، وأن يكون كذلك منصوباً بننجي الأولى، وحقاً بننجي الثانية، وأجاز هو تابعاً لابن عطية أن تكون الكاف في موضع رفع، وقدره الأمر كذلك: وحقاً منصوب بما بعدها. وقال الزمخشري مثل ذلك الإنجاء ننجي المؤمنين منكم ونهلك المشركين، وحقاً علينا اعتراض يعني حق ذلك علينا حقاً. قال القاضي: حقاً علينا المراد به الوجوب، لأن تخليص الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين من العذاب إلى الثواب واجب، ولولاه ما حسن من الله أن يلزمهم: الأفعال الشاقة. وإذا ثبت لهذا السبب جرى مجرى قضاء الدين للسبب المتقدّم، وأجيب بأنه حق. بحسب الوعد والحكم لا بحسب الاستحقاق، لما ثبت أن العبد لا يستحق على خالقه شيئاً. وقرأ الكسائي، وحفص: ننجي المؤمنين بالتخفيف مضارع أنجى، وخط المصحف ننج بغير ياء.
|